الوسم هو كي الجلد بقطعة معدن ساخنة الى درجة الإحمرار بغرض علاج بعض الأمراض والأوجاع، ونتيجة للوسم تتكون حروق في موضع الكي بيضاوية أو مستديرة الشكل في حدود 2الى سمم 2، وتلتئم بطريقة الالتئام الثانوي ولكن بعضها قد يتقيح مما يجبر الشخص على الذهاب الى العيادات والوحدات العلاجية طلبا للمساعدة.
والوسم واسع الانتشار ليس فقط في سلطنة عمان ولكن أيضا في الجزيرة العربية والشرق الأوسط وشمال افريقيا وبعض الدول الافريقية.
وقد عرف المصريون القدماء (3000 سنة قبل الميلاد) الوسم واستعملوه لاستئصال الأورام ووقف النزيف وعلاج الدمامل، كما استعمل “الكي” أيضا أبوقراط ( 400 سنة قبل الميلاد) ونقل العرب – قبل بزوغ فجر الإسلام – عنه هذه الوسيلة وامتدت الى عصر النهضة الإسلامية حيث وصف كثير من الأطباء المسلمين الكي في علاج الصداع وألم البطن والظهر وغيره من الأمراض. وقد نقل كثير من الأطباء الأوروبيين وسائل وطرق استخدامات الكي من الأطباء المسلمين فاستعملوه في أوروبا. ان تاريخ دخول الوسم الى عمان غير معروف ولكن قد يكون قبل عصر الإسلام، وانتشر بعد دخول الإسلام وتناقلته الأجيال حتى وقتنا هذا. هناك بعض المؤلفات والمخطوطات العمانية التي تصف طرق وسائل واستخدامات وأماكن الوسم وتشرحه بصورة تفصيلية ومكتوبة في القرن التاسع الهجري (حوالي القرن الخامس عشر الميلادي) أي قبل أكثر من خمسمائة عام مما يدل على عمق وانتشار هذه الوسيلة من وسائل الطب الشعبي في عمان منذ فترة طويلة.
من أشهر أشكال الوسم هو الوسم بقطعة معدن مستطيلة الشكل تترك أثرا طوليا ويسمى “مخباط “ أو بقطعة معدن مدببة الطرف وتترك أثرا كنقط ويسمى “رزة “. هناك سميات للأمراض الدارجة والشائعة بين عامة الناس وطرق علاجها بالوسم، ومن خلال استعراض اعراضها نستطيع أن نستنبط الاسم العلمي الحديث لهذه الأمراض ومن أشهرها ما يلي :
أ – “أبوصفار” أو “الصفراء” وهو نوعان “الأصفر” و “الأبيض“ فمن اعراض النوع “الأصفر” هو اصفرار العين والوجه واللسان والبول مصحوبا بهزال وفقدان شهية. أما النوع “الأبيض “ فاعراضه شحوب الوجه والعينين. الاسم العلمي للنوع الأصفر هو “الصفراء” وللنوع الابيض “فقر الدم” أو “الانيميا”. أما طريقة علاج النوع الأصفر بواسطة الطب الشعبي فهو الوسم بمخباط في الناحية الأمامية للذراعين فوق الكوع بمسافة بسيطة ونفس الطريقة تستعمل في علاج النوع الأبيض بالاضافة الى الوسم – “مخباط“ في قمة الرأس للذكور وتحت الثدي للنساء.
ب – “أبوجنيب “ ومن اعراضه ألم في جانب الصدر مع عدم المقدرة عل النوم على هذا الجانب بالإضافة الى كحة مصحوبة ببلغم وزيادة في ضربات القلب. والاسم العلمي لهذا المرض هو “الالتهاب الرئوي” ويداوى بالوسم في مكان الالم بين الضلعين على هيئة “مخباط “.
جـ – “عرق النسا” يطلقه العامة وكذلك الأطباء على الألم في الناحية الخلفية من القدم حتى أعلى الفخذ عل طول المسار التشريحي للعصب الذي يحمل نفس الاسم، يداوى هذا المرض شعبيا بوسمه فوق الكعب أو أعلى الفخذ عند مفصل الورك أو بالاثنين معا. وأحيانا يتم وسمه أيضا في مجرى العصب ويكون الوسم على هيئة “رزة “.
د – “ورم الطحال “ واعراضه ألم وتورم في منطقة الطحال على الجانب الأيسر أسفل القفص الصدري. واسمه العلمي هو “تورم الطحال “ الناتج من بعض أمراض الدم الوراثية أو سرطان الدم (ليوكيميا) أو تليف الكبد. ويتم علاجه شعبيا بوسمه بقطعة معدن متعددة الرؤوس على شكل “رزة “ في مكان الطحال.
هناك أمراض عدة أخرى شائعة وطرق علاجها بالوسم هو خارج نطاق هذا البحث.
إن ملاحظاتي الكثيرة لوجود آثار وحروق حديثة وقديمة نتيجة للوسم في جزء كبير من أجساد المرضى المعاودين للعيادات الخارجية أو الموجودين بالمستشفى الجامعي للعلاج دفعتني الى عمل هذه الدراسة في محاولة لاستنتاج مدى انتشار هذه الوسيلة من وسائل الطب الشعبي في سلطنة عمان وعمق إيمان الناس بها. لذلك قمت بعمل استبيان، كما هو موضح في الشكل (أ)، مع التركيز على الجنس والعمر وتاريخ الوسم ومكانه، وكذلك إيمان الشخص بالوسم من عدمه، ومن الجدير بالتنويه هو وجود دراسة أخرى مشابهة عن الوسم أجريت في عام 1992 بإشراف قسم طب العائلة والمجتمع بكلية الطب – جامعة السلطان قابوس – سنذكر بعض نتائجها عند مقارنة هذه الدراسة بتلك.
لقد قمت بإستبيان 333 شخصا منهم 144 ذكرا بنسبة مئوية قدرها 2ر43%، و189 انثى بنسبة مئوية قدرها 7ر58%، وهم جميعا من مراجعي العيادات الخارجية في مستشفى جامعة السلطان قابوس أو الموجودين بالمستشفى للعلاج، وذلك في تخصصات الأمراض الباطنة والجراحة، وأمراض النساء والولادة. وقد تم الاستبيان في شهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر من عام 1994م.
تتراوح أعمار المشاركين ما بين ثلاث عشرة سنة الى ثمانين سنة، حيث تمت تجزئتهم الى ثلاث مجموعات،المجموعة الأولى وتضم المشاركين ما بين 13 الى 20 سنة حيث بلغ مجموعهم 43 بنسبة 9ر12% من المجموع الكلي، والمجموعة الثانية تضم المشاركين ما بين 21 الى 40 سنة ومجموعهم 186 بنسبة 1ر55%، أما المجموعة الثالثة والأخيرة فتضم المشاركين الذين تزيد أعمارهم على 40 سنة من الجنسين ومجموعهم 106 بنسبة 2ر31% من المجموع الكلي حسب ما هو موضح بالشكل رقم (2) والجدول رقم ( 1).
إن الدراسة أظهرت أن 185 شخصا من الجنسين من أصل 333 شخصا قد استخدموا الوسم مرة أو أكثر، لعلاج بعض الأمراض والأوجاع خلال سنوات عمرهم الماضية، وذلك بنسبة مئوية وقدرها 5ر55% من مختلف الأعمار.
من هؤلاء الذين استخدموا الوسم (185 شخصا) كانت نسبة الذكور أعلى من الإناث، حيث إن عدد الذكور كان 92 شخصا بنسبة 1ر93%، بينما بلغ عدد الإناث 93 بنسبة 2ر49% من مجموع الذين بهم وسم انظر الجدول رقم ( 1).
وبتوزيع هؤلاء الذين استخدموا الوسم كوسيلة علاجية على المجموعات السنية الثلاث، سنجد أنه في المجموعة الأولى (أقل من 20 سنة) قد استخدم الوسم 22 شخصا من أصل 43 بنسبة 1ر51%، أما في المجموعة الثانية (من 21الى 40 سنة) فقد استخدمه 92من أصل 186 بنسبة 4ر49%، وكان العدد في المجموعة الثالثة (أكثر من 40 سنة) هو 70 من أصل 104 بنسبة 3ر67% حسب ما هو موضح في الجدول رقم (1) والشكل رقم (3).
كذلك نجد أن 1ر57% من الذكور أقل من 20 سنة بهم وسم 2ر48% بالنسبة للإناث، أما بالنسبة للمجموعة الثانية (ا2 الى 40 سنة) فان النسبة المئوية هي 6ر54% للذكور و9ر45% للإناث، وفي المجموعة الثالثة (أكثر من 40 سنة ) هي 3ر67% للذكور و1ر57% للإناث.
ومن هؤلاء الذين استخدموا الوسم والبالغ مجموعهم 185 شخصا من الجنسين، نجد أن 1ر48 منهم قد استخدم الوسم خلال السنوات العشر الماضية (أي ما بعد عام 1984م ) وان 3ر51% قد استخدم الوسم منذ فترة أكثر من عشر سنوات، الشكل رقم (4).
وبسؤال المشاركين عن مدى ايمانهم بالوسم كوسيلة هامة من وسائل الطب الشعبي سنجد أن 207 أشخاص من مجموع المشاركين من الجنسين يؤمنون إيمانا قطعيا بالوسم أي بنسبة 1ر62%، ومن هؤلاء الذين بهم وسم سنجد أن عدد الذين يؤمنون بالوسم هم 140 شخصا من الجنسين أي بنسبة 6ر75%، أما بالنسبة للأشخاص الذين لم يستخدموا الوسم حتى الآن فإننا نجد أن 67 شخصا من أصل 148 شخصا من الجنسين بنسبة 2ر45% يؤمنون إيمانا قطعيا بالوسم كوسيلة من وسائل الطب الشعبي، الشكل رقم ( 5) والجدول رقم ( 1).
وبدراسة العدد والمواضع والأسباب التي استوجبت استخدام الوسم سنجد أن البطن يحتل المرتبة الأولى من ناحية موضع الوسم وذلك من أجل الاستشفاء من آلام البطن والعقم وأمراض الإسهال حيث إن 92 شخصا من مجموع 185 شخصا من الجنسين كان البطن هو موضع الوسم بهم أي بنسبة 9ر52%. ويأتي الرأس في المرتبة الثانية بنسبة 7ر29% وذلك طلبا للشفاء من الصداع وألم العينين والرمد. أما الذراعان فيكونان في المرتبة الثالثة بنسبة 9ر15% وذلك لعلاج الصفراء، ويأتي في المرتبة الرابعة كل من الرجلين والظهر بنسبة 4ر5% وذلك لعلاج عرق النسا والام الظهر ومفاصله، وأما النسبة الباقية وقدرها 12% فهي موزعة على مواضع أخرى من الجسم ولأمراض مختلفة.
بتحليل نتائج دراستنا هذه ومقارنتها بالدراسة التي أجريت في جامعة السلطان قابوس عام 1992م أو في المملكة العربية السعودية سنجد أن النسبة المئوية للذين استخدموا الوسم من المجموع الكلي هي 77% للدراسة الأولى عام 1992م في جامعة السلطان قابوس و53% لدراسة المملكة العربية السعودية.
إن النسبة المئوية للذين استخدموا الوسم في دراستنا هذه (5ر55%) تتقارب تقاربا جليا مع النسبة المئوية في دراسة المملكة العربية السعودية (53%) ولكنها تختلف اختلافا واضحا مع دراسة 1992 بجامعة السلطان قابوس (77%)، وقد يثرن مرد ذلك الى عاملين مهمين، الأول : هو حجم العينة من الناس التي كانت بالدراسة ففي دراسة عام 1992م كان حجم العينة هو 93شخصا، وهذه العينة تقل كثيرا عن العينة في دراستنا هذه والبالغ عددها 333 شخصا. العامل الثاني: هو أن جميع الأشخاص في دراستنا هذه كانوا ممن يعالجون في مستشفى جامعة السلطان قابوس وهو مستشفى مرجعي يستقبل المرضى من جميع انحاء ومناطق عمان، من المنطقة الجنوبية وحتى مسندم بينما دراسة 1992م إقتصرت على ولايتي بركاء والمصنعة من منطقة الباطنة بالإضافة الى بعض المرضى المراجعين للمستشفى الجامعي.
أما بالنسبة لمواضع الوسم في دراسة المملكة العربية السعودية فنجد أن البطن يحتل المرتبة الأولى ويليه على التوالي الظهر ثم الصدر ثم الرجلين ثم الرأس والرقبة. ودراستنا هذه تتطابق مع دراسة المملكة حيث إن البطن هو أشهر موضع للوسم.
من تحليل نتائج در استنا هذه نستطيع أن نستنتج ما يلي:
أولا : هناك تشابه كبير بين أساليب الطب الشعبي – متمثلا في الوسم – في دول الجزيرة العربية، مما يدل على أن مصدره قد يكون واحدا ومن ثم انتشر في أنحاء الجزيرة العربية مع انتشار الإسلام وتطور العلوم على يد العلماء المسلمين. وهذا بالطبع يعطينا دلالة واضحة على أن الوسم عميق الجذور من الناحية التاريخية في سلطنة عمان وإن انتشاره يتلازم مع انتشار الإسلام، آي منذ 1400 سنة.
ثانيا : إن انتشار الوسم في عمان كبير، حيث أن 5ر55% من العمانيين بهم أثار وسم، وهو أكثر انتشارا بين الذكور ( 1ر63%) عنه بين الإناث (2ر49%).
ثالثا : إن نسبة العمانيين الذين بهم وسم وتقل أعمارهم عن 40 سنة هي حوالي 50% ونسبة العمانيين الذين استخدموا الوسم في خلال السنوات العشر الماضية هي 1ر48%، من هذين الرقمين نستطيع أن نستنتج أن حوالي نصف العمانيين الشباب (أقل من 40 سنة ) قد استخدموا الوسم بالرغم من أنهم ولدوا أو عاشوا مجمل عمرهم في ظل النهضة العمانية الحديثة (ما بعد 1970م ) بما فيها من نهضة صحية شاملة متمثلة في المستشفيات والعيادات المجهزة بأفضل الكوادر والمعدات الحديثة.
رابعا : ان نسبة العمانيين الذين يؤمنون بالوسم كوسيلة جيدة من وسائل الطب الشعبي في علاج الأمراض تبلغ حوالي 75% من مجموع الذين بهم وسم، والمثير للانتباه ان 2ر45% من العمانيين الذين ليس بهم وسم يؤمنون أيضا بالوسم كعلاج ناجح للأمراضر.
من هذه النتائج نستطيع أن نجزم بحقيقة ثابتة وهي ان انتشار الوسم بين العمانيين واسع، وان العمانيين بمختلف أعمارهم يؤمنون إيمانا راسخا بالوسم كإحدى الوسائل الهامة للعلاج بعيدا عن الطب الحديث.
إن مدى استفادة الناس من الوسم لا يمكن الحصول عليها من هذه الدراسة، كما أن طريقة عمل الوسم في الشفاء غير معروفة، هل هي بطريقة الإبر الصينية ؟ أم طريقة الاشباع النفسي ؟ أم بطريقة تخدير موضع الوسم بقطع الأعصاب الحسية ؟ هذه كلها تساؤلات لا يمكن الإجابة عليها حاضرا وتستدعي المزيد من البحث العلمي والتدقيق قبل رفض أو قبول الوسم كأداة من أدوات العلاج. وحتى ذلك الوقت سنبقى محتارين أمام هذه الظاهرة ومدى انتشارها ومدى إيمان الناس بها في سلطنة عمان بالرغم من انتشار الطب الحديث في جميع ربوع السلطنة، لذلك هذه الطريقة من طرق الطب الشعبي تستحق الدراسة بعد الدراسة.